السبت , نوفمبر 9 2024

أزمة جزيرتي تيران وصنافير

بقلم : نانا جاورجيوس

  • هل ما فعلته الحكومة المصرية نوع من الوطنية وتعميق العلاقات بين الشعوب ؟ هل بعد مائة سنة من إتفاقية سايكس بيكو لم تكن حدود مصر تم ترسيمها للآن وبغض النظر أنها الحدود الوحيدة بين الدول العربية التي لم يتم المساس بها عبر آلاف السنين ؟! هل إتفاقية التنازل عن جزيرتين مصريتين هي ترسيم أم إعادة ترسيم لإتفاقية سايكس بيكو (2)،و بعد مائة سنة من الذكرى المئوية لسايكس بيكو الأولى ؟! أم هي إستكمال لعملية الإنهيارات الحدودية بين الدول العربية والتي تشهدها المنطقة كما إنهارت الحدود بين العراق والشام؟! بديهياً أن أي عملية تنازل أو بيع أو منح أو إستئجار تعني بديهياً أنها في الأساس ملك لمن تنازل عنها أو باعها ! وإلا فليعطونا خريطة واحدة قديمة لديهم تقول أن الجزر خارج الحدود المصرية ! .

    السعودية تعلم الوضع الإقتصادي المتدهور لمصر وعرضها المساعدة بـ 20 مليار دولار على مدار خمس سنوات ليس عمل خيري وليس حباً لله والوطن! . اتذكر كيف ضغطت السعودية على الرئيس اليمني في معاهدة الطائف بعد حربها مع اليمن سنة 1943 للتنازل عن جزء من عسير و جيزان ونجران، وتم الإتفاق بإستئجارهم .

    ولكن مع الوقت أصبحت هذه المناطق رسميا داخل الحدود السعودية ولم تستطع اليمن إستعادتهم. و في حصارها لليمن عام 1991 قامت بطرد العمالة اليمنية وتكرر الطرد منذ ذلك الوقت وحتى حرب عاصفة الحزم. عندما نتكلم عن العلاقات الدولية وخطورتها على الأمن القومي لا نخلط الأمور بينها وبين ما هو على المستوى الإنساني والشعبي. مفيش مانع أن نأخذ الأمور ببساطتها ويكون زيتنا في دقيقنا و أن التنازل عن الجزيرتين سوف يعوضه مشروع ” جسر الملك” و الذي سيدر مكاسب إقتصادية و أولها تشغيل العمالة المصرية ! ولكن .. كيف تصير أرضنا ونذهب لنعمل عليها لدى من تنازلنا له عنها؟! فكم من مرة قامت السعودية بطرد العمالة المصرية وترحيلهم من أراضيها؟! وهل نقبل بنظام الكفيل أو الوصي والأرض أرضنا؟!

    وهل سيدخل المصريين الجزر المصرية بجواز السفر وتأشيرة كي يدخلوا أرضهم، فالجزر أصبحت خارج الحدود المصرية! المشكلة ليست فقط في التنازل عن الجزر، فبخلاف غنى الجزيرتين بالبترول والغاز الطبيعي فإن موقعهما الإسترتيجي من الأهمية للتحكم في خليج العقبة بأكمله وعدم سيادة مصر عليهما يضعف التحكم والسيطرة على أرض سيناء وشرم والساحل الشرقي كله من سيناء. لتصبح مصر ولاية تابعة لدول خارجية تباع أرضها في المزادات العلنية وتصبح سيناء من جديد في مرمى المواجهة مع إسرائيل التي كل يوم تضيِّق الخناق على مصر حد أنها تتحكم اليوم في مشروع سد النهضة الأثيوبي للتحكم في حصة مصر من مياه النيل. مثلما تسيطر الآن على خليج العقبة منذ أن وقعت مصر وإسرائيل معاهدة السلام سنة 1979 لتقر بحق اسرائيل في الملاحة عبر مضيق تيران، المعاهدة تتضمن وجود قوات دولية في منطقة شرم الشيخ والمضايق لضمان حرية الملاحة.

    ما يشكل خطراً إقتصاديا وسياحيا وثيق على سيناء وعلى شرم الشيخ وربما خطر إحتلالي جديد ربما يلوح في الأفق مع الوقت خصوصاُ بعد فشل صفقة الإخوان في بيع سيناء لأمريكا لصالح إسرائيل. !

    يروجون بأن المملكة السعودية سمحت للقاهرة باحتلالهما عسكريًا عام 1950) كيف سمحت لمصر بإحتلالها وهي تاريخياً ملك لمصر؟! ثم كيف تدخلا الجزيرتين – المحتلتين بحسب إدعائهم- فيما بعد ضمن إتفاقية السلام الدولية عام 1979 ؟! هل الإتفاقيات الدولية تُصدِّق على الأراضي المحتلة؟!

    – الخرائط التاريخية من أيام الخديو إسماعيل حاكم مصر والسودان تقول أن الجزيرتين مصريتين وخاضعة للسيادة المصرية الخالصة قبل تأسيس دولة سعودية على الخريطة سنة 1932. و حدود مصر في عهد الخديو إسماعيل (1868 – 1878) كانت تشمل جزيرتي تيران و صنافير. و قبل حتى إتفاقية ترسيم الحدود لسايكس بيكو وقبل سنة 1948 كما يقولون أنهم تنازلوا لمصر عنهما لحمايتهما من الحرب الإسرائيلية .

    جتى أن خرائط المؤرخ نعوم شقير بكتابه” تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها” و الصادر في سنة 1916 ، حيث عمل شقير كسكرتير اللجنة المشاركة في ترسيم الحدود بعد أزمة طابا 1906 م. ويُظهِر بكتابه ترسيم حدود سيناء و أنهما جزر مصرية خالصة، وكتابة يعتبر مرجع وثائقي تاريخي لحدود سيناء ومياهها الإقليمية قبل 16 سنة من تأسيس الدولة السعودية رسمياً. فهل الحكومة المصرية التي فوضها الشعب في 30 يونيو أخذت رأي المصريين أو البرلمان في هذه الصفقة للموافقة على إعادة ترسيم الحدود؟! أن نستيقظ بين يوم وليلة لنجد خريطة مصر تغيرت، لن نفاجأ أبداً إن طالبتنا السودان اليوم بمدينتي حلايب وشلاتين المصريتين أيضاً والمتنازع عليهما، أسوة بما تنازلنا به من أراضي مصرية للسعودية ؟!

    طبعاً كل من هو معارض في البداية للحكومة الحالية مثل الإخوان سيجد الذريعة ليستغل الموقف للوقيعة بين الشعبين، كما يحدث عبر مواقع التواصل الإجتماعي في كل الأحداث التي يستغلونها لإثارة المصريين على الحكومة الحالية.

    ولكن ما أتذكره أيضاً أن الرئيس مبارك نفسه رفض مشروع الجسر السعودي و رفض أن يمس أحد الأراضي المصرية ولم يبع أو يتنازل عن شبر واحد من الأراضي المصرية. لأنه يعلم أنه لا يملك ذلك القرار ، فكرامة المصري من كرامة سيادته على أرضه. وجاء مرسي وخيرت الشاطر و زباينتهم من عصابة الإخوان وباعوا سيناء لصهيوأمريكا وعقدوا الصفقة مع أوباما في أحقر صفقة شهدتها مصر. و تنازل عن حلايب وشلاتين للسودان، لهذا لم نفاجأ من الخرائط العالمية الصهيونية التي ترسم حدود مصر وقد إقتطعت المثلث الجنوبي من الحدود المصرية الجنوبية مع السودان.

    ليس مبارك أفضل من مرسي ومن النظام الحالي، فلكل قيادة مساوئها وأخطائها وسقطاتها. ولكن فرق أن تخون شعبك وتسرق ماله – إن ثبت فعلا أن مبارك سرق أموال الشعب-، وفرق بين تخون الشعب في أرضه ، فالأرض عِرض كما نقول بالمصري ( عواد باع أرضه) ، فمن باع عِرضه باع شرفه! وهذا ما لم يفعله مبارك وحفظ له المصريين هذه الحسنة ومحافظته على كل شبر من تراب مصر. لأن الكلمة الأخيرة كانت للمصريين الذين رفضوا أن تباع أرضهم وحافظوا عليها منذ آلاف السنين رغم توالي الإحتلالات والحروب عليها ولكنهم ضحوا بدمائهم في سبيل الدفاع عن هذه الأرض. وأولها الجزر الحدودية التي أستشهد فوقها مئات من جنودنا في حروبنا المريرة مع إسرائيل حتى أرتوت هذه الجزر من دماء مصرية خالصة مائة بالمائة. فلماذا لم تخرج السعودية وقتها للدفاع عن الجزر إن كانت تمتلكها ؟!. وأي مقابل هذا الذي يستحق اليوم أن نسلم لهم مفتاح حدودنا تسليم أهالي لتصير سيناء لقمة سهل للمطامع الإسرائيلية.؟!

    الديمقراطية وحرية الآراء مكفولة لمن يعارض ومن يوافق على هذه الصفقة ، وأيضاً لمن يعلم ولمن لا يعلم هذه الحقائق. ولكن لا يجب أن نندفع في مواقف خطيرة بإسم الشعارات الحماسية ولكنها في الحقيقة أمور خطيرة وقرارات تدميرية تمسس أمن البلاد فيما لا نعلمه أحياناً برؤية واضحة وكاملة عن المشهد ككل وخلفيته التاريخية. فلا مجاملات ولا محاباه بين الشعوب على حساب مقدرات الأوطان ومكسبات الشعوب وإستقرار أمنها وسلامة أراضيها . ولم نسمع أن المجاملات بين القادة والسياسيين تصل حد بيع أراضي دولهم هي في الأساس ملكاً للشعب وليس ملكاً للحكام ولا تخضع للعلاقات الدولية . الشعب هو من يأتي بحكامه ، والحاكم إللي يخون شعبه في أرضه، كمن باع عِرض وتاجر بشرف هذا الشعب بأبخس الأسعار!

    أؤمن بأن جيش مصر جيش عظيم ولم يعمل يوما كجيش مرتزقة أو جيش خاص لدى أحد الدول. فرواتب الجنود المصريين الذين يتقاضونها من الخزينة المصرية كانت مقابل تأمينهم و حراستهم لحدود وطنهم ولم يقم جيشنا يوما بحراسة حدود دول خارجية ! كما ان موارد الجزر كانت دخل قومي في الخزينة المصرية. فأي مقابل تتركنا الدول الأخرى لنسلب مواردها إن كانت جزرتي تيران وصنافير ليست مصرية ؟! وأيهما نصدق الوضع المستقر عبر التاريخ والوثائق والمخطوطات التاريخية أم نصدق إتفاقيات خرجت علينا بين ليلة وضحاها ؟!

     
     
 
 

 

شاهد أيضاً

الأقصر

ايهاب صبرى يكتب : الطبخة استوت وريحتها فاحت

منذ اندلاع ثورة يناير وبدأ الشعب المصري فى فقدان الهوية المصرية وشيئا فشيئأ طبخ علي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.