طالب الدكتور، مأمون فندي، أستاذ العلوم السياسية، المسئولون في مصر، بالتخلي عن “الفهلوة السياسية”، والاقتراب من فهم أعمق للمملكة السعودية، مؤكدا على أنه في حالة لعب “لعبة التذاكي”، مع العاهل السعودي، خلال زيارته المرتقبة لمصر، سنخسر الملك سلمان.
وأضاف “فندي” في مقال له تحت عنوان “زيارة الملك سلمان المرتقبة للقاهرة”، “أهل الحكم في المملكة العربية السعودية اكثر فهمًا لمصر من فهمنا للمملكة والسياق الحاكم لسلوكها السياسي. وربما اقول ان ممن قابلت من المثقفين السعوديين كانوا اكثر فهمًا لواقع مصر من فهمنا لواقعهم”.
وتابع “الملك سلمان يعرف مصر ثقافة وسياسية وربما حتى شوارع القاهرة اكثر ممن سيجلسون على الطاولة في مواجهته، رجل دقيق في معرفة التفاصيل حتى في احاديث المجاملات”.
ومضى “الملك سلمان رجل واضح وابن الصحراء وأبناء الصحراء لديهم فراسة عجيبة في التفريق ما بين السراب والماء، بين ماهو كاذب وما هو صادق. تخسر الملك سلمان تماماً لو كذبت عليه ولو في أمر هامشي . قل له الصدق ولو كان في تصورك سيكون غير مقبول.. الملك سلمان محب لمصر طبيعة وهو غير مجبر على ذلك ويعرف مصر جيدا ورجل يقدر الصدق الى ابعد الحدود، لا يقبل التذاكي والفهلوه كبديل عن الصدق”.
وفيما يلي نص المقال كاملا :
زيارة الملك سلمان المرتقبة للقاهرة
تبهرني دائماً تلك الفجوة ما بين قدرات المصريين الدبلوماسية والفكرية وبين كثير من الفهلوة السياسية والسذاجة في فهمهم للجوار الاقليمي وخصوصا للملكة العربية السعودية كثقافة سياسية وطريقة حكم وتحالفات. اكتب هذا بمناسبة زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز المرتقبة في الرابع من ابريل 2016 لمصر، زيارة فيها كل ما يجعلها زيارة تاريخية وعلامة فارقة وفي نفس الوقت بها ما يجعلها زيارة دبلوماسية عادية لا تتعدى المجاملات. الفارق بين كونها تاريخية مقابل زيارة عادية هو قدرة الطبقة السياسية الحاكمة في مصر على فهم السياق الحاكم لتفكير قادة المملكة ومدى فهمهم لمصر والتزامهم بأمنها ورفاهية اهلها.
التخلي عن الفهلوة السياسية والاقتراب من فهم أعمق للملكة هو بداية نجاح هذه الزيارة وتحويلها الى زيارة تاريخية وعلامة فارقة. اكتب هذا قبل الزيارة بوقت كاف لإعادة التفكير في طريقة تناولنا كمصريين للمملكة سواء أكان الفرد منا محبا للمملكة او غير محب، فالفارق في العلاقات الدولية ليس المحبة بقدر ما هو تجاوز مساحات سوء الفهم.
هنا اطلق مقولة اتمنى الرد عليها مفادها أن أهل الحكم في المملكة العربية السعودية اكثر فهمًا لمصر من فهمنا للمملكة والسياق الحاكم لسلوكها السياسي. وربما اقول ان ممن قابلت من المثقفين السعوديين كانوا اكثر فهمًا لواقع مصر من فهمنا لواقعهم.
حتى الا اطيل اقول أن مفاتيح نجاح هذه الزيارة تكمن في قدرة الطبقة السياسية في مصر على فهم مفاتيح شخصية الملك سلمان، وفهما ايضا لمنظومة العلاقات الخليجية التي لايمكن اللعب على حبال تناقضاتها الظاهرة، ومن يقف في المقدمة ومن يتبع، وموقع الملك سلمان في السياق الخليجي.
اقول ايضا وعن معرفة مباشرة وليس ادعاءا ان خادم الحرمين الملك سلمان يعرف مصر ثقافة وسياسية وربما حتى شوارع القاهرة اكثر ممن سيجلسون على الطاولة في مواجهته، رجل دقيق في معرفة التفاصيل حتى في احاديث المجاملات، فلو حدثك عن خطاب لعبدالناصر في السويس ولم تجده في ارشيف الاهرام فلا تقع في فخ ان الملك اخطأ التاريخ، ستجده خطابا مدفونا لم يسجله الارشيف، ولو قال لك عن شارع الى جوار اخر في الزمالك فلا تحاول ان تدعى المعرفة ولو حدثك من محمد عبد الوهاب للعقاد لتوفيق الحكيم لمحفوظ حتى انيس منصور فاستمع. ستخسره لو لعبت لعبة التذاكي.
النقطة الاساسية هنا هي ان الرجل يعرفنا اكثر مما نعرفه. ومن تابع التوك شو المصري في احاديثه عن الملك سلمان منذ كان ولياً للعهد حتى الان يدرك مدى الجهل المطلق بشخصية الملك، وهنا لا اقول سوء فهم، بل جهل. اذ لا علاقة بما قاله بعض من نظن بهم الذكاء في مصر عن شخصية الملك وبين حقيقة مواقفه.
قد يظن البعض ان هدف المقال هو استعراض معرفة وان لدي مفاتيح شخصية الملك، وهذا تبسيط مخل، ولكنني ادعي وبثقة انني درست نظام الحكم في المملكة لمدة قاربت ربع قرن. فليس عيبا ان يكون الفهم هو نتيجة كل هذه السنين من الدراسة. في مجتمعاتنا مرض قراءة النوايا وما بين السطور، كأن ترى ان الهدف من المقال انتظار مكالمة من الرئيس او من هم أدنى منه لكي اشرح لهم شخصية الملك. تلك إساءة قراءة او في احسن الأحوال قراءة فجة، فلم تعد التليفونات تبهر بعد كل هذا العمر. الحرص على علاقة جيدة بين بلدين شقيقين هو الهدف مما خط قلمي . قول يحسب علي وليس لي، ولكن ما يحز في نفسي هو ان علاقة مرشحة لضبط الامن في الاقليم أخذت في التضاؤل نتيجة جهل ممن نحسبهم على اهل الحكم عندنا. يحزنني كثيرا أن من يتصدون لشرح تلك العلاقة المهمة هم من ينقصهم كثير من الفهم للمملكة حكما وسياسة فالمملكة من اعقد أنظمة الحكم التي تحتاج الى وقت طويل لفهمها.
علاقة المملكة بمصر هي شراكة قدرية لابد منها ومحاولة العبث بها هي مراهقة سياسية وجهل بأساسيات امن الاقليم.
لكي تنجح الزيارة لابد لنا كمصريين ان نستمع اكثر ونتحدث اقل كي نفهم مخاوف دولة وقفت معنا وتقف معنا في اصعب الأوقات، وليس من الذكاء ولا حسن الفطن ان نربط محبة مصر عند السعوديين باشخاص، فسهل ان يظن المصريين ان الملك
عبدالله رحمه الله كان اكثر حبا او ارتباطا بمصر من الملك سلمان، فهذا هو الجهل بعينه، فالملك سلمان والملك عبدالله هم ملوك ورجال دولة لا تحركهم الاهواء، فالثابت عند عبدالله هو الثابت عند سلمان، ولكن الفارق في اُسلوب الادارة.
وحظي انه أتاح لي القدر ليس ذكاءا او مهارة اجتماعية ان اعرف الرجلين بدرجة معقولة من القرب ودرجات كافية كن البعد بما يسمح برؤية موضوعية. حتى في اعقد الظروف كان ولا يزال ملوك المملكة العربية السعودية يرون في مصر قيادة
المنطقة ويسعدهم ذلك ويرفع من قدرهم ولا ينقص منه شيئا اما نحن فينقصنا الكثير في فهم الشراكة التي يمكن ان تكون بين مصر والمملكة وقدرتها على أخذ العالم العربي الى بر النجاة.
ليس عيبا ان تقود المملكة الان ونحن في وضع يحتاج الى كثير من الترميم السياسي وليس لدي شك انه متى تعافت مصر سلمتها السعودية القيادة.
ايضا لابد ان نفهم ما هو مهم وما هو اهم في أولويات السياسة الخارجية السعودية، فقد يتفهم السعوديون الموقف المصري من سوريا، ولكنهم لم يتفهموا موقفنا الذي بدا شبه رسميا من معارضة الموقف الخليجي تجاه حزب الله وإيران.
الملك سلمان رجل واضح وابن الصحراء وأبناء الصحراء لديهم فراسة عجيبة في التفريق ما بين السراب والماء، بين ماهو كاذب وما هو صادق. تخسر الملك سلمان تماماً لو كذبت عليه ولو في أمر هامشي . قل له الصدق ولو كان في تصورك سيكون غير مقبول.
الملك سلمان محب لمصر طبيعة وهو غير مجبر على ذلك ويعرف مصر جيدا ورجل يقدر الصدق الى ابعد الحدود، لا يقبل التذاكي والفهلوه كبديل عن الصدق.
أمامنا فرصة تاريخية للتأكيد للملك ان مصر التي يحبها لم تتغير، وفي نفس الوقت هناك خطر ان يترك مصر وهو يعتقد ان هذه ليست مصر التي في ذاكرته.
مع الملك سلمان نحتاج الى صراحة وصدق وفهم لطبيعة النظام السعودي ومحركاته. ولايجب ان نترك مصير علاقة بحجم علاقة مصر بالمملكة رهينة لعبث شهوة الكلام عند من لا يعرفون على شاشات الفضائيات.
الفرصة في ضبط العلاقة مازالت قائمة ولكن العبيء الاكبر يقع علينا وليس على السعوديين هذه المرة.