الأحد , ديسمبر 22 2024
الأنبا إيساك الأسقف العام

ذكريات محفورة بالوجدان “حبات الحنطة”

مع بداية الحياة الجامعية بدأت تأريخ وتسجيل سير القديسين المعاصرين، وكان أول كتبي عن حياة البارة فوزية إسحق (ابنة الإسكندرية) كنت صغيرا حينها وقد نصحني أحد الرهبان المقيمين بالعزباوية أن يقوم نيافة الأنبا متاؤوس أسقف دير السريان العامر، بمراجعة وتقديم السيرة.

وفي وقت لاحق قدم لي نيافته جزأين لسيرة الأب القديس القمص أثناسيوس السرياني.

من هنا بدأت رحلتي مع الأديرة القبطية وآباؤها القدامى من الشيوخ الممتلئين نعمة، لاسيما دير السريان الأقرب إلى قلبي هو ورهبانه، والذي أعتبره بيتي

كنت أتنقل بين قلالي الآباء الشيوخ وأجالسهم عشرات المرات، كالنحلة التي تتنقل بين الأزهار المتنوعة لامتصاص رحيقها العذب.

وذات مرة نصحني أحد الآباء بالتبرُّك من الأنبا إيساك المقيم بالدير (وكان حينها هو الوحيد بالكنيسة القبطية الذي يحمل رتبة خوري إيبسكوبوس)

ومن وقتها التصقت بالرجل الذي يجذبك كالمغناطيس في مجاله، فلا تستطيع أن تشبع من المسيح الساكن شخصه وفيض أبوته الغامرة، والروح القدس الطابع على ملامحه وبشاشته، بساطته وتواضعه ونقاوة قلبه، وحكاويه وتأملاته التي تعكس كم العشق الذي يربطه بالثالوث والآباء الأوائل.

لقد أرشدني الرب في وقت مبكر للانتقال من مربع تسجيل حياة القديسين المعاصرين (علمانيين وإكليروس)

إلى تسجيل مشوار حياة الشخصيات المؤثرة في تاريخ الكنيسة المعاصر، وكذا تسجيل وتوثيق أهم الأحداث التاريخية في القرن العشرين، وقد نجحت في تسجيل كل هذا صوت وصورة، ولازلت أحتفظ بما يفوق المائة حديث بمكتبتي الخاصة.

كان من بين الشخصيات التي رحبت بفكرة تسجيل مشوار الحياة أبي الغالي القديس الأنبا إيساك، وقد ظللت قرابة السنة أتردد عليه وأسجل درر من تعاملات الله معه، والأحداث التي مرت به والشخصيات التي عاصرها، بدأً من ميلاده بميت غمر وكنيسة عذراء دقادوس الأثرية، ومرورا بكل محطات حياته، عمله وخدمته ورهبنته وأسقفيته، والمعجزات التي حدثت معه، صداقته بالقديسين، كتاباته العميقة، والظلم الذي تعرض له من بعض القيادات الكنسية.

أنبا إيساك ظاهرة روحية فريدة، عابد وساهر وكاتب وأب ومدبر روحي يأنس إليه مئات الرهبان والكهنة والخدام، صورة متجسدة للمسيح على الأرض، نقي لا يعرف الشر، مسامح لا يعرف الإنتقام، تتعامل معه فتحتار هل هو أبوك أم إبنك أم صديقك.

رجل مفتوح العينين زار السماء عدة مرات، بنى كنيسة رائعة الجمال داخل قلايته الكبيرة بدير السريان.

يتحرك وسط الناس بجسد رجل وقلب طفل، وروحه سابحة هائمة في السماويات، لا يعرف الشللية ولا المؤامرات ولا تأليه البشر، لم يدن أحد ولا تكلم بالسوء على أحد.

هو مشغول دائما بالأبدية وأحاديثه الممسوحة بالروح تنقل سامعيه لطرق النعمة والخلاص.

صامت لا يتكلم إلا فيما يبني ، راهب حقيقي زاهد ومسبح وطاهر، الذات ماتت داخله ولا يعرف المظاهر ولا الرياء ولا يتقدم متكئات الشهرة والأضواء ولا يبحث عن مكان أو مكانة.

هو بالمجمل إنسان الله النادر في هذا الجيل، وشاهد بتقواه على الذين سلكوا ضد الروح، فسيرته العطرة ورائحة المسيح الصاعدة من حياته تدين كل ديماس ترك الرب من أجل محبة العالم الآخر!

أودعك أبي بقلب مكسور تركت فيه بصمات لا تُمحى أنت بقلبي وفكري دائما لا تغيب، جفف دموعي التي سالت وأنا أتذكرك بينما أسطر كلماتي عنك، أذكرني وأذكر كل محب لك صلي لأجل أولادك وكنيسة الله المحتاجة لأمثالك دائماأبنك:

أيمن عريان

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.