أمل فرج
فازت الناشطة اليزيدية نادية مراد والطبيب الكونجولي دنيس موكويجي بجائزة نوبل للسلام.جاء ذلك في نبأ عاجل لرويترز.
بعد أن تمكنت جماعة «داعش» الإرهابية من التلاعب بعقول عدد كبير من الشباب وضمتهم إلى صفوفها بالعراق بدعوى الدين، تفاجأت الإيزيدية نادية مراد بأن جيران الأمس أصبحوا مغتصبي اليوم، وأن من كانت تتعامل معهم على أنهم إخوتها، تحولت نظراتهم إليها وأهلها كما لو أنهم أعداء.
هكذا كانت نادية مراد تروي اللحظات الأولى التي أعقبت إعلان دخول «داعش» مدينة سنجار بالعراق، والتي شهدت بعد ذلك عدد كبير من جرائم الإرهاب والتعدي والاغتصاب التي ارتُكبت باسم الإسلام، وهو منها براء.
في عام 2015، وبعد أن نجت نادية بأعجوبة من أيدي «داعش» قررت حمل رسالتها إلى العالم والتحدث من خلال كل المنصات التي يمكنها إحداث تغيير والقدوم إلى كل مكان يمكنه أن يقدم لشعبها يد المساعدة.
فبدءًا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث جلست نادية مراد لأول مرة تروي تفاصيل القبض عليها كأسيرة تم اقتيادها مع أكثر من 150 امرأة إيزيدية من مناطقهن إلى الموصل حيث رأت ممارسات الدولة الإسلامية «داعش» من الإتجار بالبشر، واستخدام النساء للاستعباد الجنسي، واستخدام الأطفال في الحروب وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ضد الجماعة الإيزيدية بالعراق.
هناك طالبت الشابة، التي نجحت في الفرار بعد أكثر من 3 أشهر من المعاناة، أعضاء مجلس الأمن بالقضاء على «داعش» ومحاسبة المتشددين الذين يتاجرون بالبشر وينتهكون حقوق المرأة والطفل.
أصبحت الناجية الإيزيدية بعد ذلك سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة، وأرسلت عدة طلبات لعدد من الرؤساء والقادة حول العالم لمقابلتهم والتحدث معهم عن قضيتها، في الوقت الذي كانت أزمة بلادها وصلت إلى حد الذروة.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسي من أول الرؤساء الذين لبوا نداء الناشطة الإيزيدية، حيث حضرت إلى مصر في ديسمبر 2015 بعد أن وُجهت لها دعوة رسمية.
خلال اللقاء الذي جمع بينهما، استعرضت نادية الهجمات الوحشية التي تعرض لها الإيزيديون من قبل تنظيم داعش الإرهابي في منطقة سنجار شمال العراق.
وفي بيان صدر عن الرئاسة المصرية بعد ذلك، أوضحت المواطنة العراقية أن الإرهابيين يبررون ذلك باِسم الدين الإسلامي، مشيرة إلى التاريخ الممتد من التعايش السلمي بين المسلمين والأزيديين في العراق.
وأوضح البيان إن نادية مراد أعربت خلال لقائها مع الرئيس عن خالص شكرها وتقديرها باِسم المواطنين الأزيديين لاستجابته لطلبها الالتقاء به، مؤكدة على تقديرها لدور مصر الكبير في العالم الإسلامي، وفى مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف.
وأضاف البيان، أن الرئيس رحب بالمواطنة العراقية في القاهرة، مؤكداً إدانة مصر القاطعة لكافة أشكال وصور الإرهاب والممارسات الآثمة التي يقوم بها تنظيم داعش باِسم الدين الإسلامي وهو منها براء، مشدداً على إعلاء الدين الإسلامي لقيم الرحمة والتسامح وقبول الآخر.
وأكد الرئيس خلال اللقاء على وقوف مصر إلى جانب الشعب العراقي وحرصها على تقديم كافة أشكال الدعم له.
كما أكد الرئيس أن مصر ستظل داعمة لجهود مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، مشيراً إلى أن الأزهر الشريف يبذل جهوداً دؤوبة للتعريف بصحيح الدين وتفنيد التفاسير الملتوية التي يستند إليها البعض لتبرير أعماله الوحشية باِسم الدين، الذي هو أبعد ما يكون عنها، بل حرمها تحريماً قاطعاً.
وأشار الرئيس إلى أن الحضارة الإسلامية استوعبت كافة المواطنين من مختلف الديانات والأعراق، وقدرت إسهاماتهم في شتى مناحي الحياة، واعتمدت على النابغين منهم في الإدارة وغيرها لتقدم للبشرية نموذجاً واقعياً للتعايش السلمي بين مختلف الأديان والمذاهب والأعراق.
وخلال زيارتها للقاهرة، التقت نادية مراد بعدد من علماء الأزهر الشريف من أجل تقديم مزيد من الإيضاح حول الجرائم التي يتم ارتكابها باِسم الدين الإسلامي، مؤكدة على ضرورة أن تعمل الدول الإسلامية على إبراز رفضها لتلك الأعمال الوحشية التي تُرتكب باِسم الدين الإسلامي الحنيف، وحماية الأقليات من تلك الممارسات غير الإنسانية.
وعقب اللقاء أكدت الفتاة الإيزيدية، إنها توجهت لمصر عقب عودتها من مجلس الأمن لأنها قلب العروبة والشقيقة الكبرى لكافة الدول العربية، وشعرت أنها ستجد من يستمع لمأساتها ويتحرك ضميره لإنقاذ ما تبقى من أبناء العراق، مضيفة أنها بعد 16 شهرا من الألم الذي تعيشه ويعيشه كل إيزيدي في العالم، من الأطفال حتى الشيوخ والرجال والنساء، أصبح أكثر من نصف مليون مواطن من مجتمعها مشردين وسُلبت منهم جميع مقومات الحياة.
وأضافت بعد ما كل ما حدث قصدت مصر لعلمها أن هذه البلاد ستكون جسرا يوصل معاناة مجتمعها إلى العالم الإسلامي، داعية لإنقاذ 3400 طفل وامرأة يتم بيعهم.
وفي حوار لنادية بقناة القاهرة اليوم، مع الإعلامي عمرو أديب خلال زيارتها للقاهرة، حاولت نادية مرة أخرى توصيل رسالتها لكل من يستمع إليها، مؤكدة على أنها طلبت مقابلة عدد من علماء الأزهر لأن العالم بحاجة لـ«صحوة» وخطاب ديني يؤكد لهم أن الإسلام لم يكن ابدًا تطرفًا، وأن كل هذه الممارسات بعيدة تمامًا عن الدين الحقيقي.
وروت نادية تفاصيل قتل التنظيم الإرهابي لوالدتها و6 من أشقائها، وأسره للعديد من الفتيات، بالإضافة لهدم معابدهم وقتل الشباب وكبار السن.
وفي يوم الجمعة 5 أكتوبر، تم الإعلان عن فوز الناشطة اليزيدية العراقية نادية مراد والطبيب الكونجولي دنيس موكويجي بجائزة نوبل للسلام لعام 2018 «ثمرة لجهودهما من أجل إنهاء استخدام العنف الجنسي كسلاح في الحرب».
اليوم، وبعد أن أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي هزيمة تنظيم داعش الإرهابي بشكل كامل في ديسمبر 2017 ، مازال يقع على العالم مسئولية مكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة والخطابات المتطرفة في كل مكان، حتى لا تتكرر المأساة التي شهدها العالم على مدار أعوام من محاولات لقتل الحضارة والإنسانية.